في الخامس عشر من أيار من كل عام، يقف الشعب الفلسطيني ومعه أحرار العالم أمام واحدة من أكبر المآسي الإنسانية والسياسية في العصر الحديث: ذكرى النكبة الفلسطينية عام 1948. هذه النكبة لم تكن فقط لحظة اقتلاع وتشريد، بل كانت بداية لجريمة مستمرة، سُرقت فيها الأرض، وهُجّر فيها أكثر من 750 ألف فلسطيني قسرًا من بيوتهم وقراهم، وأُعلن على أنقاض وطنهم قيام "دولة إسرائيل".
النكبة لم تكن نهاية، بل بداية رحلة نضال مستمرة من أجل حق العودة وتقرير المصير، تلك الحقوق التي كفلتها الشرائع الدولية، وعلى رأسها القرار الأممي رقم 194، الذي أكد صراحة على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم والتعويض عمّا لحق بهم من أذى.
اليوم، وبعد 77 عاماً على النكبة، لم تُمحَ الذاكرة، ولم تُنسَ الأرض. لا تزال مفاتيح البيوت القديمة تُورّث من جيل إلى جيل، تحمل في صمتها صوت الحنين والصمود، وتشهد أن الزمن لا يستطيع أن يغيّر الحقيقة، ولا أن يسقط الحق.
النكبة ليست مجرد ذكرى، بل حدث حيّ يتكرر بأشكال مختلفة، من تهجير قسري في القدس، إلى حصار غزة، إلى التمييز العنصري في الداخل المحتل، إلى اللجوء المستمر في المخيمات، حيث الفقر والحرمان وغياب الأمان. إلا أن هذه المعاناة لم تُضعف الإرادة، بل زادت الفلسطينيين إيماناً بعدالة قضيتهم.
في هذه الذكرى، نؤكد مجددًا أن حق العودة لا يُختزل بجواز سفر، ولا تُبدّده اتفاقيات مشوهة، ولا يُساوم عليه مهما طال الزمن. هو حق فردي وجماعي، لا يسقط بالتقادم، ولا بالمفاوضات، ولا بالإكراه. هو صلب الهوية الفلسطينية، وجوهر الصراع، وركيزة من ركائز تحقيق العدالة والحرية والسلام.
كفلسطينية، كلاجئة، ككاتبة، وكامرأة حُرمت من أرضها، أؤمن أن تقرير المصير هو خيار الشعوب التي تناضل وتدفع الثمن، وهو وعد المستقبل الذي نكتبه اليوم بدماء شهدائنا، وصبر أمهاتنا، وتعليم أطفالنا، وتمسكنا بالأمل مهما كان الطريق شاقًا.
في ذكرى النكبة، لا نُحيي الألم، بل نُحيي القضية، ونقول: لن تُغلق صفحة فلسطين إلا عندما تُفتَح أبواب العودة، وتُرفع راية الحرية فوق قدسنا، وتعود الأرض لأصحابها. إلى أن يتحقق ذلك، سيبقى صوتنا عاليًا، سيبقى القلم سلاحنا، وستبقى فلسطين فينا ما حيينا.