عملة البريكس مكان الدولار : معادلة صعبة التحقق حاليا

خالد زين الدين • ٥ أكتوبر ٢٠٢٣

"سيكون بنك بريكس أكثر سخاءً من البنك الدولي، فهو مهتم بمساعدة الدول وليس إغراقها " الكلام للرئيس البرازيلي " لولا دا سيلڤا" قبيل إنعقاد قمة البريكس في 22 أب الماضي ليضيف في كلمته خلال القمة "لا يمكننا قبول استعمارٍ جديدٍ أخضر، يفرض حواجز تجارية وتدابير تمييزيّة بحجة حماية البيئة. لماذا علينا أن ندفع بالدولار، إذا جرى تبادل تجاري بين البرازيل والصين؟ نحن دولتان كبيرتان بما يكفي لاستخدام عملتنا الخاصة في تبادلاتنا التجارية، أو عملة أخرى يجري التوافق عليها لهذا الغرض . 
يشكل هذا الموقف المتقدم مؤشرا بسيطا من التحول العالمي الذي باتت الكثير من البلدان تطمح للحاق بقطاره، لتحقيق ما نسميه في علم السياسة والاقتصاد " المصالح القومية المشتركة " ؛ طموح يعزز من التأثير الكبير الذي تتمتع به دول البريكس أصلاً -وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا- في المشهد المالي العالمي .
فمن بين الدول الأعضاء الجدد في مجموعة البريكس أربع دول من الشرق الأوسط، الأمر الذي يعكس اهتمام دول المنطقة بآلية البريكس وحماستها لتعزيز التضامن والتعاون مع الدول النامية الأخرى، من خلال هذه الآلية .
فقد رحّبت كلٌّ من: الأرجنتين ومصر وإثيوبيا وإيران والسعودية والإمارات في الرابع والعشرين من شهر اغسطس في عام 2023 بدعوة أقرتها المجموعة في قمتها التي إنعقدت في جنوب أفريقيا بين 22-24 آب 2023 لتنضم هذه الدول الأربع، إلى أسرة البريكس الكبرى، هو ما إعتُبِر أبرز إنجاز للقمة، ولحظة تاريخية مُهِمَّة في مسيرة المجموعة.  
يُشكِّل أقتصاد الدول الخمس قبل إنضمام الدول المذكورة إليها أكثر من 26% من الاقتصاد العالمي، ويسجل عدد سكان الدول الخمس 40% من سكان العالم. 
وقد توصلت دول البريكس إلى مقترحات مختلفة حول إمكانية أن تحل عملة "البريكس" محل الدولار، من بينها أن يتم تأمين العملة الموحدة الجديدة ليس فقط بالذهب، ولكن أيضاً من خلال مجموعات أخرى من المنتجات، مثل العناصر الأرضية النادرة.
فما أهمية الدور الذي ستلعبه الدول الست الجديدة في هذه المجموعة ؟ وما هي الميزات التي تتمتع بها وتراهن عليها دول المجموعة لدى الأعضاء الجدد، في الوقت نفسه في جهودها لتحقيق هذا التأمين ؟ 
على مستوى المنافع من عضوية الدول الست من التحالف، يفيد تحليل لمصرف "آي أن جي" الهولندي، صادر في تاريخ 14 من شهر أغسطس / آب في مدينة جوهانسبرغ في جنوب أفريقيا، بأنَّ مجموعة بريكس ستستفيد من عضوية الدول المصدرة للنفط، وهي إيران والإمارات والسعودية، لأن عضويتها تتوافق مع أهداف تحالف "بكين - موسكو" الذي يقود المجموعة، فالصين أكبر مستورد عالمي للنفط والغاز الطبيعي، فيما روسيا لديها أهداف في الهيمنة على سوق الطاقة العالمي. وربما يؤدي انضمام هذه الدول النفطية الكبرى إلى تعميق الحوار حول استخدام العملات غير الدولار في تجارة النفط، وبالتالي محاصرة هيمنة الدولار على التجارة العالمية واحتياطات البنوك المركزية.
أمّا من ناحية التحديات الجوهرية التي تقف في طريق ترجمة هذا التوجه الجديد للمجموعة ، فيتمثل أهمها بِكون المجموعة رُغم تمثيلها لكتلة اقتصادية كبيرة، تعاني من هشاشة تَماسُكها الداخلي نتيجة تباين أولويات أعضائها الجيوسياسية، خاصّة بين الصين والهند، الدول العربية وإيران، وحتى التنافس التقليدي بين الصين وروسيا.
كما لا يُمكننا إلا أنْ نتوقف عند تخوف نيودلهي من أنه في حال حدث توسع "سريع" لمجموعة بريكس، فإنّ ذلك قد لا يؤدي فقط إلى زيادة نفوذ الصين وروسيا داخل المجموعة، واختلال التوازن والمساواة بين الأعضاء، ولكن سيكون التوسع مدفوعاً برغبة بكين وموسكو لإعطاء الكتلة صبغة معادية للولايات المتحدة والغرب. وهو الأمر الذي تحرص الهند - وكذلك البرازيل وجنوب أفريقيا - على عدم الإنجرار إليه، والوقوع في مرمى التوترات الجيوسياسية ،بين واشنطن وكل من بكين وموسكو.
ولا ننسى أن البرازيل تواجه تحديا رئيسيا إزاء العمل على مساهمة الكتلة في تشكيل نظام عالمي أكثر شمولاً ودبلوماسية، من دون أن تتورط في التوترات الجيوسياسية الدولية؛ حيث تدرك البرازيل حاجتها إلى علاقات جيدة مع الولايات المتحدة التي تشكل المصدر الرئيسي للاستثمار الأجنبي المباشر في البرازيل؛ والأخيرة كغالبية حكومات اليسار في أمريكا اللاتينية، ترغب في تقليص الهيمنة الأمريكية في العالم، لكنها لا تُفضل الدخول في تحالفات جيوسياسية مغلقة مثل التي شهدتها حقبة الحرب الباردة.
في المقابل يرى الخبير المصرفي، نيوكلاس لارسن في مقال له في مجلة" بانكر إنترناشونال"، إن قبول عضوية السعودية في بريكس سيدعم بنك التنمية الجديد مالياً، الجاري تأسيسه في إطار التحالف، ويمكن أن يُعزز قدرة بنك التنمية الآسيوي على إقراض البلدان النامية، بأسعار أكثر جاذبية من البنك الدولي وصندوق النقد(IMF). لكنَّ هذا البنك الآسيوي (ADB) يُعاني من ضعف قدرته على الإقراض بشكل تنافسي. واعترف بيان صادرٍ عنه أخيراً بذلك، إذ قال إنه "في الشرق الأوسط، نولي أهمية كبيرة للسعودية ونشارك حالياً في حوار مثمر معها". هذه المعاناة تبلورت أكثر بعد نشوب الحرب الأوكرانية. 
أما بالنسبة لعضوية إيران، فيجمع عدد من خبراء الاقتصاد ( من بينهم الخبير المصرفي لارسن) أنّ لدى كل من الصين وروسيا مصالح اقتصادية وتجارة طاقة ضخمة مع إيران، حيثُ وقعت بكين اتفاقية قيمتها 300 مليار دولار للاستثمار في النفط والغاز الإيراني لمدة 25 عاماً، كما أنَّ شركاتها تستفيد من شراء النفط الإيراني الرخيص، كما أنّها تُشكل أحد أسواق السلاح المُهمة في الشرق الأوسط لشركات الدفاع الروسية.
وبالتالي يتفق هؤلاء الخبراء محللون، على أن انضمام إيران سيضيف المزيد من القوة الاقتصادية والهيمنة على صناعة النفط والغاز في الشرق الأوسط لكبار أعضاء بريكس، لأنها تمتلك حوالي ربع احتياطيات النفط في الشرق الأوسط وثاني أكبر احتياطيات للغاز في العالم.
أما مصر فتتميز بموقع استراتيجي – جغرافي يجمعها بين البحر الأحمر والأبيض المتوسط وملتقى لثلاث قارات- أفريقيا وآسيا وأوروبا، علاوة عن دورها الكبير في حماية أمن البحر الأحمر شمالًا مع باقي الدول المتشاطئة على البحر الأحمر، كما أن إثيوبيا تتمتع بموقعها الاستراتيجي جغرافيا كدولة محورية في شرق القارة الأفريقية، وهي أيضا تعد ثاني أكبر دولة في أفريقيا من حيث السكان بعد نيجيريا، التي تقع في غرب القارة الأفريقية، لهذا لم تتردد مجموعة الـ"بريكس" في خطب ود إثيوبيا، التي ستكون بلا شك سوقا كبيرا للمجموعة، كما أن قرب أثيوبيا من البحر الأحمر جنوب باب المندب كان من القضايا المقنعة في ضمها".
في المشهد الإجمالي، تحمل تصريحات زعماء البريكس بأنهم يريدون استخدام عملاتهم الوطنية بشكل أكبر بدلا من الدولار رغبة على مستوى مجموعة البريكس ، وتعززت هذه المواقف بشكل أعمق العام الماضي مع رفع مجلس الاحتياطي الاتحادي أسعار الفائدة وغزو روسيا لأوكرانيا، مما جعل الديون الدولارية والعديد من الواردات أكثر تكلفة.
كما أدى نفي روسيا من الأنظمة المالية العالمية بسبب العقوبات العام الماضي إلى إثارة التكهنات بأن الحلفاء غير الغربيين سيتحولون عن الدولار.
وفي هذا السياق يأتي تصريح الرئيس الروسي فلاديمير في 22 آب / أغسطس 2023 " إن العملية الموضوعية التي لا رجعة فيها لإلغاء الاعتماد على الدولار في علاقاتنا الاقتصادية تكتسب زخما". 
تأتي هذه التحولات على مستوى تعزيز قيمة أسرة البريكس بالتزامن مع إنخفاض حصة الدولار في احتياطيات العملات الأجنبية الرسمية إلى أدنى مستوى لها منذ 20 عامًا عند 58% في الربع الأخير من عام 2022، و47% عند تعديلها حسب تغيرات أسعار الصرف، وفقًا لبيانات صندوق النقد الدولي.
وبالرغم من ذلك، لا يزال الدولار يهيمن على التجارة العالمية. وهو على جانب واحد مما يقارب من 90٪ من معاملات الفوركس العالمية، وفقا لبيانات بنك التسويات الدولية.
ويبدو أن الإعتماد على عملة أخرى في التعاملات العالمية – وعلى مستوى دول البريكس المؤسسة والمنضمة حديثا – لا يزال أمرا معقدا ، إذ أن التخلص من الدولار سيتطلب من عدد لا يحصى من المصدرين والمستوردين، إضافة إلى عدد المقترضين والمقرضين وتجار العملة في جميع أنحاء العالم، أن يقرروا بشكل مستقل استخدام عملات أخرى.
وفي الختام، يتجلى وضوحًا أن دور دول البريكس في تعزيز استخدام عملاتهم الوطنية يشكل تحديًا هامًا للنظام النقدي العالمي القائم على الدولار. حيث يؤكد قادة هذه الدول على وجوب تحقيق المزيد من التنوع النقدي والاعتماد على عملاتهم الوطنية في التجارة الدولية، رغم التحديات التي تواجهها هذه العملية. إن هذا النهج يعكس رغبة دول البريكس في تعزيز مصالحها القومية المشتركة وتقديم بديل للنظام المالي الدولاري الحالي، ويمثل توجهًا جديدًا في العلاقات الاقتصادية الدولية. بالرغم من أهمية الدولار في الاقتصاد العالمي، فإن هذا التحول يشير إلى تغييرات في الديناميات الاقتصادية العالمية ويمكن أن يكون خطوة نحو تحقيق استقلالية أكبر في العلاقات المالية والتجارية الدولية وتشكيل مستقبل مالي أكثر توازنًا وعدالة في حال كتب له النجاح والاستمرارية.
فهل سنشهد خلال النصف الأول من العام 2024 على الإعلان الرسمي لعملة البريكس؟ وبالتالي تجاوز الدول المنضوية تحت مجموعة البريكس المؤسسة منها والمنتسبة حديثا إليها كل التحديات التي تواجهها المجموعة خصوصا المتعلقة منها بالمصالح القومية أولا والاقتصادية ثانيا والتنموية ثالثا والسياسية رابعا للعديد من بلدان البريكس ، أم أن هذه التحديات ستبقى تشكل عائقا لهذا الإعلان ليتم تأجيله إلى العام 2025 ؟ الزمن وحده كفيل بإعطائنا الجواب الكافي والوافي