فضل الله في خطبة الجمعة يدعو إلى دراسة جادة وموضوعية لقانون الانتخابات النيابية

0

ألقى سماحة العلامة السيّد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين(ع) في حارة حريك، بحضور عددٍ من الشخصيّات العلمائيّة والسياسيّة والاجتماعيّة، وحشدٍ من المؤمنين ومما جاء في خطبته السياسية:
عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصانا به الإمام العسكريّ (ع)، عندما قال: “أوصيكم بتقوى اللهِ والورعِ في دينِكم، والاجتهادِ للهِ وصدقِ الحديثِ، وأداءِ الأمانةِ إلى من ائتمنَكم من برٍّ أو فاجرٍ، وطولِ السّجودِ وحسنِ الجوار، بهذا جاء محمَّد (ص)، فإنّ الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدّى الأمانة، وحسَّن خلقه مع النّاس قيل هذا شيعيّ، فيسرّني ذلك. اتّقوا الله، وكونوا زينًا ولا تكونوا شينًا علينا.. جُرّوا إلينا كلّ مودّة، وادفعوا عنّا كلّ قبيح، فإنّه ما قيل فينا من حُسْن فنحن أهله، وما قيل فينا من سوء فما نحن كذلك. احفظوا ما وصّيتكم به، وأستودعكم الله، وأقرأ عليكم السَّلام”.
إنّنا أحوج ما نكون إلى هذه الوصيَّة، أن نهتدي بها، لنكون حقًا من شيعة أهل البيت (ع) والموالين لهم، ولنكون أكثر حضورًا وأكثر وعيًا ومسؤوليّة وقدرة على مواجهة التّحدّيات.
والبداية من الخطّة الّتي قدّمها الرّئيس الأميركيّ تحت عنوان إنهاء الحرب على غزّة، والّتي جاءت في أعقاب الاجتماع الّذي عقده مع عدد من الرّؤساء العرب والمسلمين وإن كان عاد وعدّل العديد من بنودها بعد لقائه برئيس وزراء العدوّ. ومن يتابع بنود هذه الخطّة يجد أنّها جاءت لتلبّي مطالب الكيان الصّهيونيّ الأمنيّة والأهداف الّتي سعى إليها من خلال حربه على غزّة الّتي لم يستطع أن يحصل عليها في الحرب بتحقيقها الفرصة له لاستعادة أسراه وإنهاء وجود حماس والمقاومة الفلسطينيّة فيها وسحب سلاحها، وهي تؤمّن لهذا الكيان فكّ العزلة الّتي بدأ يعانيها والّتي ظهرت مؤخّرًا من خلال اعتراف معظم دول العالم بالدّولة الفلسطينيّة وأن تعيد الاعتبار لهذا الكيان بعدما تلطّخت صورته أمام الرّأي العام العالميّ بفعل المجازر المتواصلة وعمليّات التّجويع الّتي لم يشهد العالم نظيرًا لها، فيما لا توفّر الخطّة للشّعب الفلسطينيّ سوى إيقاف الحرب عليه وجعله يتنفّس قليلًا وتأمين بعض متطلّباته الإنسانيّة لكن دون أن يكون له قراره الحرّ على أرضه وحقّه بتقرير مصيره بنفسه بل ستجعله طويلًا تحت انتداب دوليّ.
إنّنا أمام هذا الواقع الّذي يمرّ به الشّعب الفلسطينيّ والّذي يخيّر فيه بين الاستسلام أو الموت إن لم يقبل بالخطّة، سنبقى نراهن على وعي هذا الشّعب وحرصه بعد كلّ التّضحيات الجسيمة الّتي قدّمها على عدم التّفريط بحقوقه المشروعة… ومن هنا ندعو كلّ القيادات والفصائل الفلسطينيّة إلى موقف موحّد لمواجهة هذا التّحدّي والوقوف في وجه ما يتهدّد الشّعب الفلسطينيّ وقضيّته بعد أن أصبح واضحًا أنّ ما جرى لا يمسّ فريقًا أو طرفًا منه بل يهدّد كلّ مكوّناته والسّلطة فيه.
فيما ندعو الدّول العربيّة والإسلاميّة إلى مساندة هذا الشّعب وعدم تركه وحيدًا أمام الضّغوط الهائلة الّتي يتعرّض لها، وأن تعي أنّ إعطاء العدوّ الفرصة لتحقيق أهدافه في فلسطين سوف لن تكون بمنأى عن تداعياته، بل سيشجّع العدوّ على الاستمرار بعدوانه والحصول على مزيد من المكتسبات الّتي يسعى إليها على صعيد المنطقة، ونقول للعالم الّذي يريد السّلام من وراء ذلك أن يعي أنّ عدم نيل الشّعب الفلسطينيّ لحقوقه سيبقي هذا الجرح مفتوحًا واستقرار المنطقة مهدّدًا.
ونتوقّف عند الموقف الصّلب والتّحدّي الّذي أظهره النّاشطون الدّوليّون والعرب عبر الأسطول البحريّ الّذي جاؤوا به لكسر الحصار اللّاإنسانيّ المفروض على غزّة بإصرارهم على هذا الموقف وتحدّيهم لإجراءات الكيان الصّهيوني رغم وعيهم للمخاطر الّتي قد تترتّب على خطوتهم هذه ولما قد يتعرّضون له من هذا العدوّ ممّا حصل بعد ذلك.
إنّنا إذ نحيّي هذا الموقف الإنسانيّ والشّجاع والّذي يعبّر أن في هذا العالم من لا يزال يحمل المشاعر الإنسانيّة الخالصة البعيدة عن أيّ اعتبار ندعو إلى موقف عالميّ موحّد رافض لما حصل وإدانة ما قام به العدوّ وللإسراع بالإفراج عمّن لا ذنب لهم سوى أنّهم لم يقبلوا أن يشبعوا فيما أطفال غزّة يموتون جوعًا.
ونصل إلى لبنان الّذي لا يزال يعاني من وقع العدوان المتواصل من خلال الغارات الّتي شهدناها فجر هذا اليوم وعمليّات الاغتيال الّتي باتت تطاول المدنيّين والاستهداف المستمرّ لقرى الشّريط الحدوديّ المحاذي لهذا الكيان لمنع الأهالي من العودة إليها أو الاستقرار فيها، إنّنا أمام ما يجري نجدّد دعوتنا للدّولة اللّبنانيّة للقيام بالدّور المطلوب منها لإيقاف نزيف الدّم والدّمار حفظًا لهيبتها وسيادتها على أرضها الّتي هي معنيّة بها والّذي به تؤكّد حضورها وثقة مواطنيها بها بأن تجعل ذلك من أولى أولويّاتها…
فيما نعيد مجدّدًا التّأكيد على اللّبنانيّين أن يعوا مخطّطات هذا العدوّ وأن يخرجوا من حال الانقسام الّتي يعيشونها وأن يرتقوا إلى مستوى التّحدّيات الّتي تحدق بهذا البلد، حيث لا يمكن أن نواجه التّحدّيات الرّاهنة والمستقبليّة بالتّرهّل الّذي نشهده، فيما نجدّد دعوتنا إلى من يتولّون أمور البلد إلى تعزيز التّفاهم وإزالة كلّ ما يؤدّي إلى التّوتّر كالّذي شهدناه أخيرًا والّذي ينعكس سلبًا على السّاحة الدّاخليّة، في بلد تحكمه الحساسيّات الطّائفيّة والمذهبيّة، فيما ندعو وفي ظلّ الانقسام الحادّ الّذي شهدناه حول القانون الانتخابيّ، في المجلس النّيابيّ في جلساته الأخيرة إلى دراسة جادّة وموضوعيّة لهذا القانون وأن لا يؤدّي إلى ما بات يكثر الحديث عنه بتأجيل الانتخابات والّذي معه يفقد لبنان الفرصة في تجديد الحياة السّياسيّة وإجراء الانتخابات في مواعيدها المحدّدة أو يؤدّي إلى تعطيل عمل المجلس النّيابيّ في وقت هو أحوج ما يكون إلى العمل واتّخاذ قرارات تخصّ اللّبنانيّين وتؤدّي إلى إصلاحات في مؤسّسات الدّولة اللّبنانيّة، وأن يكون هاجس كلّ الكتل المتمثّلة في المجلس هو تأمين هذا الاستحقاق في وقته وإذا كان من تعديل أن لا يكون بابًا للمسّ بهذا الاستحقاق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.