الانسلاخ عن اللّغة العربيّة بوابة الإنسلاخ عن الأمّة

بقلم لينا وهب- خاص لبنان الحدث

0

الانسلاخ عن اللّغة العربيّة بوابة الانسلاخ عن الأمّة
بقلم لينا وهب – خاص لبنان الحدث

درسنا في الصغر في كتبنا المدرسية وتحديدًا في مادة التربيّة الوطنية أنّ اللّغة تعبّر عن هُوِيَّة الفرد وتعرّف عنه. غير أن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي منذ بضعة سنوات خلت شكّل نوع من أشكال الحرب الناعمة التي شوّهت معالم اللّغة العربيّة الأمّ لتحل محلها ما يعرف باسم لغة الإنترنت، بحيث يكتب رواد تلك المنصات المتصلة بشبكة الإنترنت باللّهجة المحكية وبالحروف اللاتينية مستخدمين الأحرف والرموز، فمثلًا عبارة “صباح الخير مع أجمل طقس” باتوا يكتبونها بلغة مبتدعة على هذا الشكل “saba7 El 5eir ma3 2jmal 6akes ” بحيث يرمز رقم 7 لحرف الحاء (ح) ورقم 5 لحرف الخاء (خ) ويرمز رقم 3 لحرف العين (ع) ورقم 6 لحرف الطاء (ط) و2 لحرف الألف (أ) وعلى هذا النحو والشكل خرجت لغة جديدة تسمّى لغة الإنترنت بمضمون عربي وحروف لاتينية وأرقام حسابية لا نعلم من أطلقها ونشرها وعممها إلى أن أصبحت ظاهرة في المجتمع العربي الكبير يتداولها الشباب فيمَا بينهم بديل عن اللّغة العربيّة.

قد يبدو الأمر سطحيًًا وعاديًًا ولكن يحق للمرء التساؤل ما الهدف من تداول لغة جديدة؟ وما المانع من استخدام اللغة العربيّة الفصحى الأصيلة؟ ولماذا لا نرى هكذا ظواهر من انسلاخ عن اللّغة الأمّ في بلدان الغرب والدول المتحضرة؟ وكيف وصلنا منذ عقود إلى استخدام اللّغة المحكيّة العامية بدلًا من اللّغة العربيّة الفصحى الأمّ في العالم العربي وصولًا إلى ما نحن عليه اليوم من تشويه للّغة وانسلاخ عن تاريخ لغتنا وجذورها ومضامينها بحيث بات يصعب علينا فهم كثير من الكلمات والمفردات العربيّة الفصحى وخصوصًا في النصوص القديمة الأصيلة!!!

إذا ما فكرنا مليًّا بكل تلك التساؤلات إضافة إلى استهزاء الشباب باللّغة العربيّة الفصحى أو عدم درايتهم وإحاطتهم بها غالبًا، وخصوصًا أولئك من رواد وسائل التواصل الاجتماعي ( مسنجر، فايسبوك، انستغرام، إلخ) الّذين يكاد ما تجد لهم منشور دون خطأ لُغَوي أو إملائي أو نحوي، فضلاً على كارثة الكوارث التي تصدر عن أكاديميين وسياسيين وكتّاب عرب ينطقون ويكتبون بلغتهم العربيّة ولكن بغير حروفها إملائيًًا ونحويًا، فإنّه من السهل الخروج بفرضية وجود حرب ناعمة على اللّغة العربيّة، الأمر الّذي يثبت بأنّ الانسلاخ عن اللّغة إنمّا هو انسلاخ عن الهُوِيَّة والقومية والثقافة المجتمعيّة.

بالمحصلة كما أنّه لا يمكن التواصل الفعّال دون لغة جامعة بين القوميات والأعراق والشعوب، فإنّه لا يمكن فهم الثقافات المختلفة وتاريخها وجذورها دون فهم لغتها الأمّ والنصوص الموروثة عن الأجداد لأنّ اللّغة هي جسر يربط ماضينا بحاضرنا وهي بمنزلة كتاب التاريخ الّذي يحفظ حقنا بالوجود وثقافتنا وهويّتنا وارثنا الحضاري عبر القرون، ويحفظ ارتباطنا بالأرض جغرافيًا على الخريطة العالمية أمّة عربيّة تجمعنا اللّغة العربيّة الفصحى ولا يفرقنا سوى الانسلاخ عن لغتنا وأمتنا وتاريخنا وحضورنا لمصلحة أعداء اللّغة والوجود والتاريخ العربي.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.