السلطة عندليب الدولة … ورهانها الخاسر
بقلم الدكتور حسين عبيد باحث في القضايا الفكريّة والتّاريخيّة والفكريّة
السلطة عندليب الدولة … ورهانها الخاسر
بقلم الدكتور حسين عبيد باحث في القضايا الفكريّة والتّاريخيّة والفكريّة
حين تُصبح السلطة عندليب الدولة، تتغنى بالشعارات فيما تضيع السيادة ويُختطف الوطن.
في لبنان، كثيرون من الساسة والمفكرين يخلطون بين مفاهيم الدولة والسلطة والحكومة، كأنها مترادفات، بينما لكل منها وظيفة محددة.
وهنا أنحو باتجاه المرجعيات العلمية لفك التباسات العلاقة بين الدولة والسلطة والحكومة. الدولة هي الكيان السيادي الجامع، القائم على شعب وأرض ومؤسسات تحمي الكرامة وتحقق العدالة. أما السلطة فهي القدرة على اتخاذ القرار، وشرعيتها مستمدة من الدستور والقانون. في حين أن الحكومة هي الجهاز التنفيذي المؤقت الخاضع للمحاسبة والمساءلة.
وبمعنى آخر، الدولة كائن معنوي ينبع من وجدان الشعب وتاريخه المشترك، قبل أن تتحول إلى مؤسسات تُدار من الأعلى. هي شعور جماعي بالانتماء وإرادة للعيش معًا، تبدأ بفكرة تجمعنا ومصير مشترك. ومن هذا المعنى، يُشكّل الشعب جوهر الدولة، وتأتي المؤسسات لترجمة هذا المعنى إلى واقع ملموس.
لكن الواقع اللبناني مختلف: فقد خُلِطت هذه المفاهيم، وتم التلاعب بها عمدًا أحيانًا، وتضليلًا أحيانًا أخرى. الحكومات المتعاقبة كانت تتنازع، وتحولت السلطة إلى أداة بيد الزعامات بدل أن تكون راعية للمؤسسات. أما الدولة، فغابت عن دورها الأساسي، وصارت مجرد صدى لتجاذبات السلطة، ما أدى إلى تغييبها عن حماية السيادة، خصوصًا في مواجهة الأطماع الصهيونية.
ومنذ الاستقلال، وخصوصًا بعد قيام الكيان الصهيوني عام 1948 وما أفرزه من تداعيات، بقي لبنان عرضة للاعتداءات المتكررة من العدو، وميدانًا مفتوحًا للتدخلات الإقليمية والدولية، وسط تشرذم داخلي وانقسامات متراكمة.
في هذا السياق، برزت المقاومة بمختلف أشكالها كقوة دفاعية نشأت من رحم الاحتلال وفي ظل عجز الدولة الرسمية. تحملت مسؤولية حماية الأرض والشعب وقدمت تضحيات جسامًا، لتصبح بذلك هامش الأمان الوطني حين قصرت الدولة أو غابت عن أداء واجبها السيادي.
المعضلة الجوهرية تكمن في العلاقة بين المقاومة والسلطة (لا الدولة). ففي بعض المراحل تواءمت السلطة مع المقاومة، وفي أخرى تصادمت معها. أما الدولة فهي، من حيث المبدأ، الحاضن الجامع لجميع مواطنيها. الخلل يظهر حين تدّعي السلطة أنها هي الدولة، فتصادر مؤسساتها وتنحرف عن جوهرها، وهو اعتداء صريح على مفهوم الدولة وسيادتها.
من هنا، على السلطة – المتمثلة بالحكومة – أن تتصرف بحكمة، وتسعى لبناء علاقة متوازنة وآمنة مع جميع المواطنين تحت سقف الدولة. الدولة ليست حاضنة للمقاومة فقط، بل وللسلطة نفسها، التي يفترض أن تكون مؤتمنة على مشروع الدولة واستمراريتها. حين تعمل السلطة على إقصاء مكونات أساسية، أو ترفع شعارات جوفاء باسم الدولة فيما هي في الواقع تستولي عليها، تصبح سلطة ظالمة ومعتدية.
وتبلغ المأساة ذروتها حين تُخضع السلطة الدولة لمشاريع خارجية. تصبح الدولة عندها وعاءً فارغًا من المضمون، ومجرد صدى لإملاءات الآخرين وصراعاتهم. تضيع السيادة الحقيقية بين التباسات المفاهيم وضرورات المصالح الخارجية، التي لا تميز بين مواطن وآخر، وكل ما تهدف إليه هو تنفيذ مشاريعها على حساب الوطن.
وبالعودة إلى جوهر المفهوم، تبقى الدولة – متى توفرت مقوماتها – الحاضن الأساس للمقاومة والسلطة معًا، بما يضمن حماية الوطن، ويحفظ كرامة المواطن، ويعيد السّيادة إلى موقعها الطبيعي.
وبعد، نسأل: هل يعود هؤلاء المسؤولون والمفكرون إلى ضمائرهم، ويكفون عن لغة التضليل والتزييف التي تضر بالوطن والمواطن قبل أي طرف آخر؟ وإذا استفاقت الضمائر، هل ستكون هناك إرادة حقيقية لإعادة بناء الدولة وحماية السيادة؟ وهل سيكون المواطنون شركاء فاعلين في هذا الإصلاح الوطني، أم يظل الوطن رهينة التردد والتخاذل؟